الداربي .. "ذا بلو ريباند"
فريق جودلفين يوجه أنظاره بقوة نحو ابسوم في أول يوم سبت من شهر يونيو
الداربي، وهو السباق الكلاسيكي الأعظم في بريطانيا والذي يقام على منعطفات ومنحدرات ابسوم داونز منذ عام 1780، لا يزال بدون أدنى شك أحد الجوائز الأكثر رواجا في السباقات وهو حلم كل مالك ومرب للخيول يسعى لأن يصل بجواده الى بوابات الانطلاق في أول يوم سبت من شهر يونيو من كل عام.
بينما لم يكن هناك أي فائز بالداربي يحمل الشعار الأزرق الملكي الشهير لفريق جودلفين حتى الآن، إلا أن هناك تقاليد راسخة وآثار خالدة في هذا السباق المرموق لكل من عائلة آل مكتوم وفحول دارلي.
لقد مضت 20 عاما منذ أن حقق المهر "لم ترى" (بشعار ابن شقيق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم) الإنجاز الذي لم يُسمع عنه تقريبا من قبل – والمتمثل في الفوز بالسباق في ظهوره الأول في الموسم.
في أعقاب الوفاة المأساوية لمدربه أليكس سكوت في العام السابق، نقل "لم ترى" ليتدرب تحت اشراف سعيد بن سرور وحقق تعافيا ملحوظا من المرض ليس ليكسب هذا السباق المبجل فحسب، بل ليكسر الزمن القياسي للسباق – وهو الزمن الذي ظل صامدا لحوالي 60 عاما ولم يتم كسره خلال 15 سنة بعد ذلك.
ذهب "لم ترى" للفوز بسباق كينج جورج وكوين اليزابيث دايموند ستيكس وسباق بري دو لارك دو تريومف، وعقب فترة أمضاها في اليابان، أعيد الى نيوماركت ليقضي فترة تقاعده فحلا في مزرعة دلهام هو حتى وفاته في العام الماضي.
فائز آخر بارز بالداربي هو "سير بيرسي"، الذي استهل في عام 2006 فترة ذهبية لفحول دارلي في ابسوم، وهو ابن المهر "مارك أوف ستيم" الذي استولده ورباه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في اسطبلاته الخاصة. "سير بيرسي" رباه هاري أورميشر، وكان المولود الأخير لأمه الفرس "بيرسيز لاس".
"سير بيرسي" الذي كان مهرا ناشئا مميزا، وأنهى حملة مشاركاته في عمر السنتين بالفوز بسباق ديوهيرست ستيكس، عاد لخوض السباقات في عمر ثلاث سنوات محتلا المركز الثاني بسباق 2,000 غينيز.
وفيما آثر أصحابه الدفع به نحو ابسوم (بالرغم من اعتقادهم بأن المسافة الأقصر في سباق بري دو جوكي كلوب تناسبه بشكل أفضل)، إلا أن "سير بيرسي" لم يخيب الآمال، حيث تغلب على مصاعب في الحركة في المراحل الختامية وأفرز سرعة متفجرة ناحية السياج الداخلي ليتوفق عقب الاحتكام الى الصورة.
وفي عام 2007، كان "أوثرايزيد" حديث السباق حيث كان يعتقد الكثيرون بأنه قد يمنح فارسه فرانكي ديتوري فوزه الأول بالداربي الذي راوده كثيرا. مقوماته كانت استثنائية بعد أن فاز بسباق ريسنغ بوست تروفي في عمر السنتين ثم فاز بتحضيري الداربي بأسلوب رائع عندما انتزع لقب دانتي ستيكس بأربعة أطوال.
بعد أن تمركز خلف الصفوف في الداربي نفسه، شق "أوثرايزيد" طريقه في آخر اثنين فيرلونغ ثم أنهى السباق خلال خطوات معدودات. هامش الفوز الذي بلغ خمسة أطوال كان الأكبر منذ فوز "سليب أنكور" بالسباق في عام 1985.
لم يكن "نيو أبروتش" مرشحا أساسا للمشاركة بالداربي في ابسوم، حيث كان الداربي الإيرلندي هدفا له منذ فترة طويلة. ومع ذلك تم الإبقاء عليه في الداربي الإنجليزي بسبب خطأ، لكن تقرر أن المهر الذي يحمل شعار سمو الأميرة هيا بنت الحسين، لا بد وأن ينال فرصته. المهر لم يمنح أصحابه الذي كانوا يتابعون السباق لحظات سهلة، حيث كان يجر بقوة طوال المراحل المبكرة من المنافسة قبل أن يجد نفسه محاصرا بالكامل عند منتصف المسافة في المسار المستقيم. غير أن معدنه الحقيقي ظهر هنا، وما أن ظهرت الثغرة أمامه حتى اندفع عبرها بقوة الى الصدارة وتقدم ليحرز اللقب الكلاسيكي بنصف طول.
عام 2009 كان بلا شك عام "سي ذا ستارس". ابن جواد جودلفين السابق "كيب كروس" والذي كسب جميع مشاركاته الثلاث قبل الداربي بما فيها سباق 2,000 غينيز.
هذا المنافس الذي أشرف على تدريبه جون أوكس، واجه مجموعة من الخصوم الاشداء في ابسوم، لكن، وبموجب قيادة بارعة من الفارس ميك كينين، تعقب كوكبة الطليعة في المراحل المبكرة قبل أن يحثه الفارس على التقدم في ربع الميل الأخير. جميع الشكوك التي كانت تحوم حول قدرته على تحمل المسافة تبعثرت بسرعة كما هو حال خصومه الذين اكتسحهم بفارق طولين تقريبا ليصبح أول حصان خلال 20 عاما يجمع بين الغينيز والداربي.
فوزه بالداربي كان الثاني من ستة انتصارات في الفئة الأولى شملت الفوز بسباق اكليبس، وجدمونت انترناشونال، وآيريش شامبيون ستيكس بالإضافة الى الآرك الفرنسي، ومن ثم ليضمن موقعه في كتب التاريخ كأحد أعظم خيول السباق في كل العصور.
وبعد عام آخر، حان الوقت لتتحطم الأرقام مجددا. كان "كينجز بست" ابن الفحل "ووركفورس" يخوض مشاركته الثالثة فقط في السباقات وكان يهدف لكسر الاتجاه السائد بأن لم يسبق لأي خيل تعرض للخسارة في الدانتي أن ذهب للفوز بالداربي. السباق مضى بأفضل طريقة ممكنة للمهر "ووركفورس" بإشراف السير مايكل ستاوت، حيث استقر في موقع ملائم قبل أن يدفع به الفارس في آخر ثلاثة فيرلونغ من خط النهاية.
وما إن اعتلى الصدارة، استمات وواصل التقدم، واستدعى ذكريات أول فائز لمدربه بالداربي "شيرجار"، كلما وسع الفارق أكثر فأكثر، حيث فاز في نهاية المطاف بسبعة أطوال. ولعل الحقيقة الأكثر إثارة أنه كسر الزمن القياسي الذي سجله "لم ترى" بفارق ثانية تقريبا.
وفي 2015، أضاف "كيب كروس" فائزا ثانيا بالداربي، حيث برهن بطل دانتي ستيكس "غولدن هورن" جدارته بلقب المرشح المفضل للداربي ليعزز من سجله الخالي من الهزيمة الى أربعة انتصارات رائعة. وبعد أن استقر خلف منافسيه، كان راضيا بأن يدع الآخرين يتصارعون على الصدارة المبكرة، حيث استغرق وقته كاملا بأسلوب بطل حقيقي، ثم اندفع في وقت متأخر ليقتنص اللقب بثلاثة أطوال ونصف الطول.
المهر واصل تأثير والده المدهش في ابسوم، حيث لم يكن "كيب كروس" هو والد أم بطل السباق في العام فحسب، عبر ابنته الفائزة بالأوكس "ويجا بورد"، بل إنه أيضا جد بطلة الأوكس في العام الماضي.
أما هذا العام، فإن "مسار" ابن الفحل سالف الذكر "نيو أبروتش"، سيحمل آمال فريق جودلفين في الداربي. كان مهرا مميزا حقا عندما كان ناشئا وحقق انطلاقة مثالية في عمر الثلاث سنوات حيث اكتسح منافسيه بتسعة أطوال ليربح سباق ج3 كريفين ستيكس في نيوماركت الشهر الماضي، قبل أن يتبع ذلك باحتلاله المركز الثالث عن جدارة في سباق 2,000 غينيز. يشير كل من تكوينه الجسماني وحركته الى أن تضاريس مضمار ابسوم المتعرجة ستكون ملائمة له الى أقصى حد ممكن.
ومهما يكن الحصان الذي سيعبر خط النهاية أولا يوم السبت، 3 يونيو، فإنه لا شك سيمنح ملاكه والمعنيين به ليس أكثر الأيام التي لا تنسي في السباقات على الإطلاق فحسب، بل أيضا مكانا في التاريخ.